تعرضت أسواق النفط الخام خلال هذا العام لتقلبات متأثرة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية وعوامل تتعلق بالعرض والطلب، وبينما ينتظر المحللون قرار أوبك القادم تظل السوق متوترة، حيث تعكس الأسعار التفاعل المعقد بين الأحداث العالمية والمؤشرات الاقتصادية.
من المرجح أن تشهد أسواق تداول النفط العالمية بعض الضيق في المعروض خلال النصف الثاني من عام 2024 وسط توقعات متزايدة بأن أوبك وحلفائها سيجددون تخفيضات الإنتاج عندما يجتمعون في يونيو، في الوقت نفسه، سيعمل الطلب الموسمي القوي على سحب مخزونات الخام، قد تضع هذه العوامل، بالإضافة إلى الجغرافيا السياسية المضطربة في الشرق الأوسط حدًا أدنى لأسعار النفط في الوقت الحالي.
من المقرر أن يعقد أوبك بلس اجتماع افتراضيًا خلال شهر يونيو وسط تصاعد التوترات بشأن الامتثال للحصص والمناقشات المعقدة المحتملة حول القدرة الإنتاجية لكل دولة، ستجتمع المجموعة لتحديد مستويات الإنتاج المستقبلية حيث من المقرر أن تنتهي الحصص الحالية في نهاية يونيو.
ومع ذلك، قد تكون المحادثات صعبة مع تصاعد التوتر بشأن الامتثال للحصص، وقد أُجبرت العراق وكازاخستان بالفعل على إصدار خطط تعويض تتضمن تخفيضات إضافية للتعويض عن الإفراط في الإنتاج في أوائل عام 2024، وخفض كلاهما الإنتاج على أساس شهري في أبريل لكنهما استمرا في الإنتاج فوق سقفهما.
وضع حد أدنى للأسعار
نفذت أوبك وحلفاؤها بقيادة روسيا عدة جولات من تخفيضات الإنتاج منذ شهر أكتوبر 2022 لوضع حد أدنى للأسعار، حيث تضمنت الشريحة الأخيرة من التخفيضات الطوعية من قبل العديد من الأعضاء حوالي 2.2 مليون برميل يوميا من يناير 2024 إلى يونيو.
ومع ذلك، قد يكون بعض الأعضاء غير حريصين جدًا على زيادة الإنتاج ما لم يتجاوز النفط مستوى 100 دولار للبرميل، بينما قد يفضل آخرون زيادة الإنتاج بأسعار أقل خاصة إذا كانوا يتوقعون ارتفاع قدرتهم الإنتاجية في عام 2025.
إن السيناريو الأساسي هو أن الحصص الحالية والتخفيضات الطوعية سيتم تمديدها لدعم الأسعار في نطاق 85 – 95دولار للبرميل، ومع ذلك، في حالة الحاجة إلى الحفاظ على الوحدة، يمكن زيادة الإنتاج حتى لو كان النفط أقل من 100 دولار للبرميل، وقد يمهد هذا الطريق لأسعار أضعف من المتوقع، وقد يتم تقليص التخفيضات الطوعية والتي يبلغ مجموعها 2.2 مليون برميل يوميًا من ثماني دول قبل تعديل حصص المجموعة.
من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 91 دولار للبرميل من شهر مايو إلى ديسمبر من هذا العام، وبالنسبة لعام 2024 بالكامل تم تعديل توقعات أسعار خام برنت بالزيادة بمقدار 4 دولارات للبرميل عن الشهر الماضي إلى 89 دولار للبرميل.
آسيا تراقب التطورات
ردًا على الهجوم الإيراني على إسرائيل في وقت سابق من شهر مايو، أقرت الولايات المتحدة قانون وقف إيواء النفط الإيراني والذي يجيز فرض عقوبات إلزامية على الموانئ والسفن والمصافي الأجنبية المشاركة في تجارة المنتجات النفطية الإيرانية الخاضعة للعقوبات.
تذهب غالبية صادرات النفط الخام الإيراني حاليًا إلى المصافي المستقلة الصينية وغالبًا ما تكون بخصومات كبيرة، وفي المستقبل، سيتوقف التأثير على تدفق النفط الخام الإيراني إلى الصين على كيفية تنفيذ الولايات المتحدة للعقوبات وإنفاذها.
سيكون من الصعب تتبع عمليات النقل من سفينة إلى أخرى المستهدفة بقانون وقف إيواء النفط الإيراني إذا أغلقت السفن أنظمة التعريف التلقائي الخاصة بها في البحر المفتوح، ومع ذلك، قد تحدث اضطرابات في تدفق البراميل الإيرانية إلى المصافي المستقلة الصينية إذا توقفت ماليزيا (التي يُشار إليها عادةً باعتبارها البلد الأصلي لبراميل النفط الخام الممزوجة) عن إصدار الشهادات المطلوبة.
ستراقب أسواق النفط أيضًا عن كثب كيف سيؤثر موت الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الذي قُتل في حادث تحطم مروحية في 19 مايو على سياسة النفط في البلاد وكذلك الجغرافيا السياسية للمنطقة، وبحسب بيانات شركة كوموديتي إنسايتس، صدرت إيران نحو 1.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام في الربع الأول من عام 2024 ومعظمها متجه إلى الصين.
بالإضافة إلى ذلك، مع إعادة فرض العقوبات الأمريكية على قطاع النفط والغاز في فنزويلا، من المتوقع أن تتدفق المزيد من البراميل الفنزويلية إلى الصين مع توقف الهند عن توريدها، ومن المتوقع أن تنخفض أسعار النفط الخام الفنزويلي بشكل أكبر بعد إعادة فرض العقوبات، مما يجعلها أكثر جاذبية للمشترين الصينيين.
أسعار النفط من المتوقع أن تظل فوق 80 دولار في عام 2024
في عام اتسم بالتوترات الجيوسياسية وخفض الإنتاج الاستراتيجي، من المتوقع أن تحافظ أسعار النفط على مستويات أعلى من 80 دولار للبرميل، ووفقا لأحدث استطلاع للرأي أجرته رويترز، قام المحللون بتعديل توقعاتهم لعام 2024 لخام برنت وغرب تكساس الوسيط مما يؤكد التحديات والمخاطر المستمرة التي تشكل سوق النفط العالمية.
يشير الاستطلاع إلى أن خام برنت سيبلغ في المتوسط 84.62 دولار للبرميل في عام 2024، ارتفاعا من الإجماع السابق البالغ 82.33 دولار، ويمثل هذا التعديل المراجعة الصعودية الثانية على التوالي هذا العام، حيث بلغ متوسط أسعار برنت حوالي 83.50 دولار وبالمثل، تم رفع توقعات خام غرب تكساس الوسيط إلى 80.46 دولار للبرميل من التوقع السابق البالغ 78.09 دولار.
العوامل التي تحرك التوقعات
يعزو المحللون هذه التوقعات إلى مزيج من الطلب الأعلى من المتوقع والقيود المستمرة على العرض، وأوضح “سوفرو ساركار” رئيس فريق قطاع الطاقة في بنك دي بي إس وأحد المحللين الذين استطلعت رويترز آراءهم، أن أساسيات سوق النفط تظل أكثر تشددًا من المتوقع في النصف الأول من العام، وأضاف: “كانت اتجاهات الطلب أكثر إيجابية من المتوقع، وهو ما ينبغي أن يستمر في دعم أسعار النفط من خلال عمليات سحب المخزون، خاصة بالنظر إلى تمديد تخفيضات إمدادات أوبك بلس”.
وتتفق وكالة الطاقة الدولية مع هذا الرأي، حيث أفادت بأن نمو الطلب العالمي على النفط يتوافق مع اتجاهات ما قبل كوفيد 19، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًا في عام 2024، حيث يتوقع معظم المشاركين في الاستطلاع زيادة الطلب بين 0.9 و 1.4 مليون برميل يوميًا.
المخاطر الجيوسياسية وديناميكيات العرض
الصراع المستمر في الشرق الأوسط والمخاطر الجيوسياسية الناتجة عنه عوامل مهمة تدعم هذه التوقعات، ويؤكد المحللون أن الطلب العالمي على النفط على وشك الوصول إلى مستوى قياسي آخر مرتفع مدفوعًا بالاستهلاك القوي في الدول النامية، ومن المتوقع أن تحافظ هذه الديناميكيات على أرضية تحت أسعار النفط، حيث يتفق معظم المحللين على أن الارتفاع إلى 100 دولار للبرميل غير مرجح على الرغم من التقلبات.
من ناحية العرض، من المتوقع أن تواصل مجموعة أوبك بلس بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا تخفيضات إنتاجها بعد يونيو.،ومن المرجح أن يؤدي هذا القرار إلى إبقاء ميزان العرض والطلب في حالة عجز، ومع ذلك، في حين من المتوقع أن ينمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة، فإن التركيز على إعطاء الأولوية لعائدات المساهمين على التوسع في الإنتاج في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يخفف من هذا النمو.
مع تقدم العام، لا تزال سوق النفط تواجه تفاعلًا معقدًا بين الطلب المتزايد والإمدادات المقيدة، متأثرة بشكل كبير بعدم الاستقرار الجيوسياسي وقرارات الإنتاج الاستراتيجية، وفي حين تشير التوقعات إلى استقرار فوق 80 دولار للبرميل، تظل السوق حساسة لأي تطورات جيوسياسية كبيرة أو تغييرات في استراتيجيات الإنتاج من قبل الدول المنتجة للنفط الرئيسية.
توقعات جولدمان ساكس لخام برنت لعام 2024
في عصر أصبحت فيه كلمة “تقلب” مرادفة تقريبًا لأسواق النفط العالمية، قدم جولدمان ساكس أحدث مذكرة بحثية عن مستقبل النفط الذي يتميز بالهدوء وليس الاضطراب، يتوقع فريق السلع لدي جولدمان ساكس استقرار أسعار خام برنت خلال 2024 مع كون التقلبات المتوقعة من بين الأكثر هدوءًا التي شهدناها مؤخرًا.
يتوقع جولدمان ساكس أن خام برنت سيحوم في نطاق 70 إلى 90 دولار للبرميل طوال عام 2024، وهو توقع ينبئ بفترة من الهدوء غير المعتاد لسلعة معروفة بعدم القدرة على التنبؤ بها، ويمكن أن يعزى هذا إلى ما يصفه البنك بالتوازن شبه المثالي بين ديناميكيات العرض والطلب في السوق العالمية.
على الرغم من توقع انخفاض التقلبات، أجرى البنك تعديلًا طفيفًا على توقعاته الصيفية لخام برنت، حيث رفع الهدف بمقدار 2 دولار إلى 87 دولار للبرميل، يرتبط هذا التعديل بانخفاضات أسرع من المتوقع في مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وإعادة ترتيب تدفقات النفط، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الاضطرابات في البحر الأحمر، ومع ذلك، يحافظ البنك على هدفه السعري لعام 2025 لخام برنت عند 80 دولار للبرميل، مما يؤكد اعتقاده في توازن السوق المستدام.
القوى وراء التوقعات
حدد جولدمان ساكس ثلاثة محركات رئيسية تدعم توقعاته لسوق النفط خلال هذا العام:
مخاطر جيوسياسية متواضعة: أدرج المحللون علاوة مخاطر جيوسياسية تبلغ 2 دولار فقط للبرميل في توقعاتهم، ويدعم هذا الرقم المتواضع مستويات المخزون الأعلى في البحر، والتي توفر حاجزًا ضد اضطرابات الشحن.
أوبك بلس والقدرة الاحتياطية: يسلط التقرير الضوء على القدرة الاحتياطية المرتفعة داخل أوبك بلس، مما يشير إلى أن الكارتل في وضع جيد لإدارة صدمات العرض المحتملة، وعلاوة على ذلك، يُنظر إلى قرار المملكة العربية السعودية بالحفاظ على أقصى قدرتها المستدامة عند 13 مليون برميل يوميًا على أنه التزام باستقرار السوق، إن تعزيز إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وأهداف النمو المدروسة للمنتجين الكبار يساهمان بشكل أكبر في هذا الاستقرار.
توازن العرض والطلب الضيق: من المتوقع أن يحقق سوق النفط العالمية توازناً دقيقاً، حيث يتطابق نمو الطلب بشكل وثيق مع زيادات العرض من خارج أوبك (باستثناء روسيا)، وفي حين توجد تعديلات في تقديرات النمو لمختلف المناطق، فإن الصورة العامة هي صورة توافق وثيق بين العرض والطلب.
على الرغم من احتمالية استقرار الأسعار في نطاق محدود، فإن جولدمان ساكس تعترف بالمخاطر المحتملة التي قد تؤثر على السوق، قد تؤدي الاضطرابات في مضيق هرمز أو التخفيضات الكبيرة في الإمدادات الإيرانية إلى ضغوط تصاعدية على الأسعار، وعلى العكس من ذلك، قد يؤدي تمديد تخفيضات أوبك بلس إلى مزيد من تشديد السوق، في مثل هذه السيناريوهات، يفترض البنك أن خام برنت قد يرتفع بمقدار 7 دولارات إضافية للبرميل.
من المتوقع أن تتخلف أسعار خام غرب تكساس الوسيط عن خام برنت بنحو 5 دولارات للبرميل، مع الحفاظ على فارق ثابت حتى عام 2025.
تقدم توقعات جولدمان ساكس رؤية للهدوء النسبي في سوق النفط، يوفر هذا التوقع بتقلبات الأسعار المنخفضة وسوق متوازنة في عام 2024 استراحة من عدم القدرة على التنبؤ التي اتسمت بها السنوات الأخيرة.